وجّهت الكتل النيابية المعارضة والنقابات الممثلة في مجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء، انتقادات لاذعة للسياسات المالية والاقتصادية التي تنتهجها الحكومة. واعتبرت أن هذه السياسات لم تثمر تحسنًا ملموسًا في الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، بل أسفرت عن خلق فرص شغل غير مستقرة، ودفعت مستثمرين إلى السعي وراء الاستفادة من الطلبيات العمومية دون أن يسهموا في إحداث وظائف دائمة.
وفي الجلسة الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة، والتي خُصصت لموضوع "الحصيلة الاقتصادية والمالية وأثرها على دينامية الاستثمار والتشغيل"، أعرب المتحدثون باسم فرق المعارضة عن قلقهم من غياب العدالة المجالية في توزيع ثمار هذه السياسات، وفشلها في تهدئة الغليان الاجتماعي الذي تعيشه شرائح مهنية متعددة.
إقصاء المقاولات الصغيرة
نبيل اليزيدي، ممثل الفريق الحركي، توجه إلى رئيس الحكومة ملاحظًا أن حكومته سارعت في إخراج القوانين التطبيقية للمشاريع الاستثمارية الكبرى، بهدف دعم المقاولات الضخمة، في حين تم تجاهل المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل أكثر من 90 في المئة من النسيج الاقتصادي الوطني، حيث لم يتم إصدار النصوص الخاصة بها إلا بتاريخ 3 يوليوز 2025.
كما استنكر اليزيدي بنود المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، الذي وإن منح شكليًا نسبة 20% من هذه الصفقات للمقاولات المتوسطة والصغيرة، إلا أن القانون رقم 53.00 يعرّف هذه المقاولات بأنها تحقق رقم معاملات سنوي يصل إلى 5 مليارات درهم دون احتساب الضرائب، متسائلًا: "كم عدد الشركات التي تستطيع بلوغ هذا السقف فعليًا للاستفادة من هذا الامتياز؟".
التهميش وغياب التنمية
أما المستشار سماعيل العالوي، المتحدث باسم الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، فقد أشار إلى أن المشاريع الكبرى التي أطلقتها الحكومة لم تُترجم إلى نتائج ملموسة، خصوصًا فيما يخص جذب الاستثمار الأجنبي والتقليص من بطالة الشباب.
وأكد العالوي وجود اختلال واضح في توزيع التنمية والثروات، مما جعل مناطق بأكملها تتحول إلى مستودعات لليد العاملة دون فرص حقيقية، ضاربًا مثالًا بمناطق الجنوب الشرقي التي تعاني من التهميش، ما دفع العديد من سكانها إلى الهجرة وكرّس غياب الاستقرار.
كما نبه إلى الغياب شبه التام للمشاريع التنموية والصناعات التحويلية بجهة درعة تافيلالت، مضيفًا أن البنية التحتية الضعيفة، من طرق متدهورة ووسائل نقل محدودة، تساهم في نفور المستثمرين من هذه المناطق.
ارتفاع البطالة وضعف الالتزام الاجتماعي
من جانبه، سجل نور الدين سليك، رئيس فريق الاتحاد المغربي للشغل، استمرار ارتفاع معدلات البطالة، لا سيما في صفوف حاملي الشهادات، مبرزًا أن جزءًا كبيرًا من الوظائف المستحدثة تفتقر إلى الاستقرار وتُصنف على أنها هشة.
وأشار إلى تفاقم ظاهرة الشغل الناقص، خاصة في المناطق القروية، واستمرار ضياع فرص العمل، مما يسلب من الاستثمار بُعده الاجتماعي. وانتقد عدم احترام قوانين العمل من طرف عدد من المشغلين، سواء في ما يتعلق بأجور العمال، أو ساعات العمل، أو التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو حتى شروط السلامة والصحة المهنية.
وطالب بضرورة وضع ميثاق اجتماعي جديد للاستثمار، يُبنى على حوار ثلاثي بين الدولة والمشغلين والنقابات، ويُلزم المستثمرين باحترام حقوق الأجراء، ويضمن جودة الوظائف، مع اعتماد تحفيزات ضريبية وعقارية موجهة نحو المناطق المهمشة، عوض غض الطرف عن "التهريب الاجتماعي".
استثمار غير منتج ووعود لم تتحقق
أما لحسن نازيهي، منسق مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فقد أكد أن النمو الاقتصادي المحقق لم يرتكز على إصلاحات هيكلية حقيقية، بل ظل رهينًا بمعطيات ظرفية، مثل تحسن الموسم الفلاحي وارتفاع تحويلات الجالية المغربية.
وأوضح نازيهي أن سنة 2025 سجلت زيادة في عدد العاطلين، خاصة بين الشباب الحاصلين على شهادات. وتسائل عن جدوى "ميثاق الاستثمار الجديد"، الذي رُوّج له باعتباره ركيزة استراتيجية، في حين أن الاستثمار الخاص لم يتجاوز ثلث حجم الاستثمارات الوطنية، واصفًا إياه بـ"الانتهازي"، لكونه يركز على الظفر بالصفقات العمومية دون أن يساهم في إحداث وظائف مستقرة.
إخفاقات برامج حكومية
بدوره، استفسر خالد السطي، عضو فريق الاتحاد الوطني للشغل، عن مدى التزام الحكومة بوعودها المتعلقة بخلق مليون وظيفة ورفع نسبة مشاركة النساء في سوق الشغل إلى 30%، مشيرًا إلى أنها لا تزال عند حدود 20%. كما طالب بتوضيحات بشأن برنامج "مدخول الكرامة" الموجه لكبار السن.
ووجّه السطي تساؤلات لرئيس الحكومة بشأن برنامجي "فرصة" و"أوراش"، متسائلًا إن كانت الحكومة قد تخلت عنهما نتيجة الاختلالات التي واكبتهما.
وفي ملاحظاته الختامية، أقرّ السطي بأن الحكومة امتلكت تصورًا جيدًا ورصدت له موارد مالية مهمة، لكنه شدد على أن نتائجه على أرض الواقع غائبة، مشيرًا إلى استمرار التوتر الاجتماعي، خصوصًا في صفوف المهندسين والعاملين في قطاع التعليم. كما انتقد الزيادة الأخيرة في الأجور لعدم كفايتها، مع التذكير بتجاهل الحكومة لفئة المتقاعدين.